حسان التليل يكتب: لماذا يتقرب أردوغان هذه الأيام من أوجلان؟

حسان التليلي

حسان التليلي

لم يدم اللقاء الذي حصل مؤخرا بين عبد الله أوجلان واثنين من محاميه إلا ساعة واحدة. ومع ذلك فإن هذه الساعة تشكل حدثا مهما لأن لقاءات مماثلة لم تحصل منذ ثماني سنوات بين أوجلان ومحاميه ولأن اللقاء يمكن أن يكون مؤشرا على حاجة أردوغان الماسة في هذه الأيام إلى خدمات زعيم الحزب العمال الكردستاني الذي حكم عليه بالإعدام عام 1999 وتحول الحكم عام 2002 إلى السجن المؤبد بعد إلغاء عقوبة الإعدام.

لقد تمكن رجب طيب أردوغان بعد عام واحد على تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001 على أنقاض “حزب الفضيلة” من إيصال الإسلاميين إلى السلطة. وكان يلح كثيرا على القول في تلك السنوات أن هذا الحزب منفتح على الأحزاب الأخرى التي لم تكن لديها مرجعية دينية وإنه حريص على الحفاظ على أرث كمال أتاتورك وقيم الجمهورية ومنها أساسا العلمانية.

وبدا أردوغان فعلا لسنوات عديدة كما لو كان راغبا في إجراء مصالحة وطنية داخلية من خلال تقديم تنازلات كبيرة باتجاه أكراد تركيا. بل إن حزب العدالة والتنمية كسب عدة معارك انتخابية حتى في المناطق التي تسكنها غالبية كردية لاسيما في جنوب البلاد الشرقي لأنه اتخذ عددا من الإجراءات العملية في مجال التنمية المحلية استفاد منها الأكراد. وأراد كثير من الأكراد مجازاة هذا الحزب بالتصويت له عدة مرات.

والذين يتابعون عن كثب علاقات السلطات الكردية بالملف الكردي التركي يقرون كلهم بالدور المحوري الذي لعبه عبد الله أوجلان وهو في السجن لجعل كثير من الأكراد يصوتون إلى حزب العدالة والتنمية لأن غالبية أكراد تركيا يقدرون كثيرا هذا الرجل حتى وإن كان البعض يختلف معه في رؤاه ولأن أوجلان كان و لا يزال يرى أن الطريقة البراغماتية الوحيدة التي تسمح لأكراد تركيا بالحفاظ على هويتهم دون التقوقع على أنفسهم تتمثل في المطالبة المستمرة والذكية بإرساء دولة القانون في تركيا وتمكين المواطنين الأكراد من الحصول على الحقوق ذاتها التي يتمتع بها المواطنون الآخرون غير الأكراد.

ولكن أردوغان لم يحترم الإطار الذي أُطلقت فيه المبادرة غير المباشرة لمحاولة تسوية الملف الكردي على نحو يفتح أفقا جديدا أمام أكراد البلاد ويسمح بالحفاظ على وحدة تركيا. بل حمل بشدة على القيادات التركية وشن حربا ضروسا على مقاتلي حزب العمال الكردستاني. ودفع حرصه الكبير على توسيع صلاحياته بطرق غير ديمقراطية بشخصيات عديدة رافقته في مساره السياسي وساندته إلى التخلي عنه شيئا فشيئا لاسيما وأن تصرفاته أصبحت توحي بأنه سلطان وليس رئيس الحكومة أو رئيس الدولة.

وصحيح أن أردوغان استطاع الوصول إلى رئاسة الجمهورية وتوسيع صلاحيات الرئيس عبر استفتاء. ولكنه فقد اليوم الوهج الكبير الذي كان لديه لاسيما بعد محاولة الانقلاب العسكرية التي حصلت في صيف عام 2016. وكان يردد دوما أن الورقة الاقتصادية أثبتت قدرة حزب العدالة والتنمية على كسب معارك قلما يكسبها الحكام في البلدان المتقدمة والبلدان النامية والبلدان التي تتنزل منزلة بين هاتين المنزلين.

الورقة الاقتصادية أصبحت ورقة ضعيفة وهشة لاسيما بعد أن طالت حملات الاعتقالات التعسفية كثيرا من أرباب العمل الأتراك غير المقربين من حزب العدالة والتنمية. ويخلص كثير من المطلعين على الشؤون التركية إلى أن أردوغان الذي خسر كثيرا من الحلفاء والمقربين في الداخل والخارج ربما وجد في العودة بشكل غير مباشر إلى أوجلان طريقة قد تساعده على إعادة بعث الحوية في الدورة الاقتصادية التركية الهشة عبر الأكراد الذين لديهم إمكانية لضخ نفس جديد في الاقتصاد التركي لاسيما في إسطنبول وضواحيها ومدن أخرى. ويأمل أردوغان في ذلك من خلال التلويح بأن هناك إمكانية لطرح ملف المصالحة الداخلية مع الأكراد بعد أن وسع صلاحياته إلى حدود لا يمكن تجاوزها بعد الآن.

ويدرك أردوغان أن أوجلان لايزال براغماتيا كثيرا في مطالبه. وهو ما نقله محاميا زعيم الأكراد الأتراك عندما قالا إنه بلغهما أن ثقافة العنف غير مجدية بالنسبة إلى القيادات الكردية السورية وإنه من الأفضل بالنسبة إليها انتهاج سياسة الحوار مع النظام السوري ” للحفاظ على وحدة الأراضي السورية” و “إرساء ديمقراطية محلية” بعيدا عن ثقافة العنف. كما نصح القيادات الكردية السورية بتفهم بعض ما وصفه ” بالحساسيات التركية ” في سوريا.

ولكن أردوغان يدرك في الوقت ذاته أن أوجلان صبور وثابت على مواقفه أيا تكن خيبات الأمل التي أصيب بها حتى الآن. أما هو أي الرئيس التركي فإن الأتراك كلهم لم يعودوا ينظرون إليه كما كانوا يفعلون عندما كانت الدورة الاقتصادية نشطة وأنه مضطر هذه المرة-إذا كان بحق جادا في الانخراط في مصالحة وطنية مع الأكراد الأتراك –إلى الاستجابة بشكل ملموس إلى مطالب الأكراد الأساسية في الحرية والكرامة ضمن إطار يحافظ على وحدة البلاد. إنه مضطر إلى ذلك لأنه بحاجة ماسة إلى خدمات أوجلان ولأنه في مرحلة الأفول لا في مرحلة الصعود أيا تكن الانتصارات الانتخابية المقبلة التي يمكن أن يحققها حزبه.

مونت كارلو الدولية