آشا نيوز – وكالات
استمرت الحرب ضد داعش خمس سنوات، لكن إدارة تبعات تلك الحرب بحاجة إلى وقت أطول وهي في نفس الوقت عملية معقدة جداً. يشكل الآلاف من المسلحين الأجانب والمحليين الموجودين حالياً في سجون شمال وشرق سوريا وشمال غرب سوريا واحداً من أخطر إفرازات الحرب، وفي حال لم يتم العثور على حل مناسب سيتحولون إلى مصدر تهديد أمني كبير للمنطقة والعالم، ويظهر تقرير ميداني لمجلة (نيويوركر) الأمريكية حجم هذا التهديد.
خلال عملية السيطرة على الباغوز، صدم عدد المسلحين وعوائل وأطفال داعش في المنطقة الجميع، ومن بينهم أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية، فهناك مصادر تتحدث عن استسلام 63000 ألف شخص، تم إسكان أغلبهم في مخيم “الهول” بريف مدينة الحسكة، والذي كان يضم عشرة آلاف نازح قبل عملية الباغوز.
ويقول تقرير نيويوركر إنه خلال الشهر الأخير من حرب داعش، سلم أكثر من 5000 مسلح داعشي أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية، وكان آلاف آخرون منهم قد أسروا خلال المراحل السابقة من حرب داعش، في حين لا تمتلك قوات سوريا الديمقراطية موارد مالية، كوادر وبنية تحتية، تؤهلها للإبقاء على هؤلاء، لهذا وضعوا الأسرى في مباني كانت مخصصة لأغراض أخرى، ويرى دبلوماسيون ومسؤولون عسكريون أمريكيون أن تلك السجون مصدر خطر من الناحية السياسية كما أن بناءها ضعيف.
كان سجن (دشيشة) في جنوب شرق مدينة الحسكة مستودعاً للنفط في السابق، ويوجد فيه الآن 1500 مسلح من داعش، وأبلغ مديرو السجن المجلة الأمريكية بأن جنسيات السجناء متنوعة ويوجد بينهم مغاربة، فرنسيون، أمريكيون، أتراك، سعوديون، عراقيون وروس.
يعد التعرف إلى الأسماء والجنسيات الحقيقية للمسلحين من بين المشاكل الكبرى، فأغلبهم يستخدم اسماً مستعاراً، ويحمل قلة منهم جوازات سفر أو وثائق ثبوتية، كما يرفض بعضهم الإفصاح عن اسمه الحقيقي، وعن هذا يقول مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية: “لا يوجد شيء في العالم (من حيث الخطورة) يرقى إلى مستوى الأوضاع الإنسانية والأمنية المعقدة قانونياً والمقلقة سياسياً”.
حاورت مجلة نيويركر ثلاثة من مسلحي داعش ونسائهم، أحدهم من شيكاغو الأمريكية، والثاني مغربي كان أمير الأخلاق في داعش وشهد حرق 40 امرأة إزيدية، والثالث هو التركي فاروق ياسر الذي فقد إحدى رجليه في غارة لطيران التحالف، ويدعي أنه كان طاهياً في واحد من مراكز شرطة داعش، لكن القائم على السجن يكذبه ويقول إن ياسراً كان من أوائل الذين قاموا بكسب الأنصار لداعش وتهريب المسلحين من تركيا إلى سوريا.
الأمريكي منهم يدعى (ليريم سليماني) وهو شخص نحيف أصلع يقول إنه يبلغ 43 عاماً، ويظن أن زوجته وأطفاله الثلاثة موجودون في مخيم الهول، لكنه ليس متأكداً، وعن سبب انتمائه لداعش، يقول ليريم الكوسوفي الأصل: “جئت بقصد الهجرة والعيش في كنف سلطة الشريعة”.
ويظهر بحث أجرته جامعة جورج واشنطن الأمريكية أن نحو 300 أمريكي حاولوا خلال السنوات الخمس الماضية الالتحاق بصفوف داعش، وتم كشف عشرات منهم ومنعهم بينما تمكن أكثر من مئة منهم من الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها داعش، وأعلن مسؤولون أمريكيون لمجلة نيويوركر عن وجود 20 أمريكياً بين النازحين من الباغوز.
تم إرسال الداعشي الأمريكي إلى العراق لتلقي التدريب العسكري، لكنه يقول “خلال فترة التدريب أطلقت نحو 20 رصاصة، وذات مرة انطلقت من سلاحي رصاصة وأنا داخل مبنى وأصابت السقف، هذا كل معاركي التي شاركت فيها”، لكنه لا يخفي “منذ أن جئت إلى دار الإسلام، كنت أحمل السلاح لحين مغادرتي الباغوز”، ويشير مسؤول عسكري أمريكي في سوريا إلى أن أغلب المسلحين يكذبون.
لم ينشر لزعيم داعش البالغ من العمر 48 عاماً، غير بعض تسجيلات صوتية منذ أن أعلن قيام خلافته، ويقول المسلح الأمريكي: “إن أردت الصدق، أعتقد أنه مات منذ سنتين، لم أسمع منه شيئاً خلالهما، والذي يدعو إلى الإحباط هو أن ذلك يعد خيانة للذين طلبوا منهم أن يهاجروا”.
مازال ليريم يتوق للعيش في ظل خلافة أخرى لأنه يرى أن “كل شيء مرتبط بالدين”، ومع ذلك فإنه لم يكن مستعداً للموت في ظل الخلافة فهو يريد أن يعيش، ويقول عن هذا: “أنا لم آت إلى هنا لأموت، بل جئت للعيش في ظل الشريعة”، ويؤكد أنه لا يزال هناك كثيرون يؤمنون بإقامة خلافة جديدة.
مخيم الهول
يعمل معد التقرير منذ 40 سنة على تغطية أحداث مختلفة في الشرق الأوسط، ويعتقد أن مخيم الهول واحد من أسوأ وأكثر الأماكن دماراً والتي شاهدها خلال تلك العقود الأربعة. النفايات تغرق المخيم ورغم إعلان الأمم المتحدة أن المخيم حمل أكثر من طافته من حيث عدد من زجوا فيه، مازالت الشاحنات تنقل المزيد من الناس إليه، ويقيم 73000 شخص في المخيم الذي تبلغ مساحته أربعة كيلومترات مربعة فقط.
ويشير تقرير للأمم المتحدة إلى وفاة 217 شخصاً في المخيم حتى نهاية آذار المنصرم، مات 31 منهم في الأسبوع الأخير من الشهر.
تنادي راهلة عثمان، وهي أويغورية صينية معها ولدان، وتقول: “مضت ثلاث ليال علينا في هذا البرد وليس عندنا ما نتغطى به”. قتل زوج راهلة جراء ضربة جوية في الهجين العام الماضي، وهي مازالت تؤمن بالخلافة وتقول: “أريد أن يبقى وجهي مغطى بالنقاب”.
نبهت الأمم المتحدة إلى وجود عدد كبير من النساء الشابات في المخيم، أغلبهن أمهات أو حوامل، وأغلب النساء أرامل قتل أزواجهن الداعشيون، لذا ستقع عليهن مسؤولية إعالة أسرهن اليوم أو غداً، في حين ليس من السهل تصحيح العلاقة بينهن وبين المجتمع.
ويذكر تقرير الأمم المتحدة أن هناك عدداً كبيراً من النساء في مخيم الهول، ويعتقد أنهم كن مسلحات داعشيات، وتقر مريم ناصر، مالديفية تبلغ 23 عاماً، بأنها تلقت التدريب العسكري وتخبر المجلة الأمريكية بأن “كل رجل وكل امرأة كانت تحمل سلاحاً” في المناطق التي يسيطر عليها داعش، وقد قتل زوج مريم الأول ووقع زوجها الثاني في الأسر.
يؤكد كل الذين التقتهم مجلة نيويوركر بأن حياة المخيم الصعبة لم تزعزع إيمانهم، ومن بين هؤلاء سليمة أسيليابة، الشيشانية البالغة 22 عاماً، والتي التحقت بداعش منذ أربع سنوات وفرت هرباً من قصف التحالف، ومع ذلك تقول: “الخلافة في قلوبنا”.
تعاني المنظمات الدولية من نقص في المساعدات المتوفرة للمخيم، ويحذر المسؤولون الأمريكيون الذين تحدثوا لمجلة نيويوركر، من أنه في حال غياب خطة بعيدة المدى لمخيم الهول وسجون قوات سوريا الديمقراطية، فإن المخيم والسجون ستصبح مراكز لنشر الفكر الداعشي مثل السجون الأمريكية في العراق.
قبل ظهور داعش، كان أبوبكر البغدادي وعدد من الزعماء المتشددين سجناء في سجن يديره الأمريكيون في العراق (سجن بوكا).
وفي تقريرها الصادر في 2 نيسان الحالي، أعلنت الأمم المتحدة أن 65% من القاطنين في مخيم الهول أطفال دون الثامنة عشرة، و27% منهم نساء، وتوجه إلى المخيم 500 شخص في الأسبوع حتى مطلع نيسان، ويذكر التقرير أن 45% من قاطني المخيم سوريون، و42% منهم عراقيون، و15% وهم 10000 شخص من دول أخرى وأغلبهم من عوائل مسلحي داعش.
برنامج قوات سوريا الديمقراطية
لا تتمتع المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بأي اعتراف محلي أو دولي، ومع ذلك، وكما قال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم كوباني، لمجلة نيويوركر، تتحمل قوات سوريا الديمقراطية 90% من نفقات ومسؤوليات حماية السجون وتوفير احتياجاتها، وأعلن المسؤول الكوردي “نحن ندخر من رواتب مقاتلينا لنوفر الاحتياجات الأخرى”، وأشار إلى أنهم باشروا برنامجاً إصلاحياً موقتاً للتعامل مع الآلاف من أعضاء ومؤيدي داعش.
ويتولى محمد الذيب، رئيس قبيلة الأفاضلة كبرى قبائل الرقة، إدارة البرنامج الإصلاحي في منطقة (الكرامة) وقال للمجلة الأمريكية: “هذه المنطقة زراعية عشائرية، ونحن ملتزمون جداً بالتقاليد، وإن صدقتك القول، فإن أغلب أهالي منطقتنا (الكرامة) يؤيدون داعش”، وكان نحو 400 شخص من أبناء المنطقة من الدواعش.
كان بإمكان النزعة القبلية في المنطقة أن تعيق عمليات تحرير تلك المناطق من داعش، خاصة بسبب كون القوات الكوردية تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، لذا كان لزاماً طمأنة رؤساء العشائر إلى أنهم لن يمسوا هم وأفراد عشائرهم بعد تحرير المنطقة.
تعهد مظلوم كوباني قبل العمليات بإعادة جميع المسلحين السوريين في داعش إلى أحضان المجتمع شرط ألا يكونوا متورطين في جرائم كبرى، وعن جهوده يقول: “قبل كل عملية تحرير كنت أجتمع مع كل القبائل، وأطلب منهم سحب أبناء قبائلهم من صفوف داعش”، كما أن قوات سوريا الديمقراطية كانت تستقبل الكثير من أبناء القبائل في صفوفها وتشركهم في تلك العمليات، حتى بلغ عدد المقاتلين من أبناء الرقة 3000 مقاتل.
تم تحرير منطقة الكرامة في العام 2017، ومر 100 من مسلحي داعش منذ ذلك الحين بعملية الإصلاح والتأهيل، فيما قتل منهم 100 في صفوف داعش. يقول محمد الذيب إن أغلب القتلى كانوا انتحاريين، يستمر برنامج التأهيل سنة أو سنة ونصف السنة، وتتم خلاله تربية المشاركين وشرح الإسلام لهم، كما يتلقون علاجاً صحياً ونفسياً ويدمجون في الحياة الاجتماعية الطبيعية.
أكمل حمود أحمد خلف، 36 سنة، البرنامج منذ أيلول الماضي، كان جندياً في درعا عندما انطلقت “الثورة” السورية، وعندما أمر النظام السوري بإطلاق النار على الناس، عاد إلى الكرامة وعمل في القائممقامية، وعندما احتل داعش الكرامة في 2014، وطلب مبايعته بايعه حمود وتعين في شرطة داعش، لكنه مهمته كما يدعي هو كانت تلقي شكاوى المواطنين، ويقول “السلطة كلها كانت في يد المسلحين الأجانب”.
أيمن حسين عيسى، 25 سنة، خاض البرنامج أيضاً، ويصفه بالسجن، حيث خضع للبرنامج لمدة سنة ونصف السنة وأبدى ندمه على التحاقه بداعش، ويقول: “لقد دفعنا الضريبة، كنا في السجن، لكي نتعهد بألا نعود إلى صفوف داعش مهما حصل”.
بعد إتمامهما البرنامج، أصبح أيمن وحمود عاطلين عن العمل، ويقول أيمن: “كل الذين أطلق سراحهم مازالوا يبحثون عن فرصة عمل”.
لكن برنامج مظلوم لم ينجح في كل الحالات، ويقول التقرير إن قوات سوريا الديمقراطية أطلقت سراح ألف مسلح وعضو سابق في داعش، لكن العشرات منهم عادوا إلى صفوف داعش، ويقول محمد الذيب: “خطونا الخطوة الأولى فقط، ويجب أن تتبعها آلاف الخطوات، لكي يعود هؤلاء إلى جادة الصواب”، أما مساعد مظلوم، سالار الملا، فهو أكثر تفاؤلاً: “يجب أن نخوض حربين، واحدة عسكرية والثانية نفسية، ونشرف على تحقيق النصر في واحدة منهما”.
المسلحون الأجانب
كان لداعش أكثر من 40000 مسلح أجنبي، من أكثر من 80 دولة. يوجد الآلاف من هؤلاء في سجون قوات سوريا الديمقراطية حالياً، ويعتبر مصير هؤلاء واحداً من التحديات الكبرى التي تواجه قوات سوريا الديمقراطية والمجتمع الدولي، لأن قليلاً جداً من تلك الدول مستعد لاستعادة أولئك المسلحين.
وقال مسؤول في الخارجية الأمريكية لمجلة نيويوركر: “ستستمر أمريكا في استقبال مواطنيها ومحاكمتهم”، وعبرت كازاخستان، مقدونيا والمغرب عن الاستعداد لاستقبال بعض مواطنيهم، وأشارت قوات سوريا الديمقراطية إلى أن الحكومة العراقية وعدت باستلام 31000 من مواطنيها.
لكن الدول الأوروبية التي تحالفت مع أمريكا في حرب داعش، تتعامل بفتور مع هذه الأزمة، فقد أعلنت الحكومة الألمانية أنها تقبل استلام المسلحين فقط عند ضمان تقديمهم للمحاكمة، ويجب توفر الأدلة الكاملة لتحقيق ذلك الشرط. كما سحبت بريطانيا الجنسية من بعض المسلحين وزوجات المسلحين، فيما لا تستطيع فرنسا استعادة نساء وأطفال داعش قسراً لأن من حق النساء رفع دعاوى ضد الحكومة واتهامها بخطفهن.
بينما تختلف الدول على قضية قبول أو رفض استلام مسلحي داعش، يشعر مظلوم كوباني بالقرب من الحدود السورية العراقية بالقلق من الآثار السيئة لحرب داعش، ومنها معتقدات الذين هربوا من مناطق نفوذ داعش إلى مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية.
ويقول مظلوم: “كل هؤلاء مازالوا مؤمنين بآيديولوجيا داعش، لا حل لدينا إلا العمل مع الدول التي جاؤوا منها لحل مشكلتهم، وإلا فإن الوضع الحالي يشكل خطراً على مستقبلنا جميعاً”.