حازم الأمين يكتب: من الذي «سبى» نادية مراد؟
من المجدي تحويل حدث فوز الناجية الأيزيدية من السبي الـ «داعشي» نادية مراد بجائزة نوبل للسلام إلى مناسبة لإعادة التفكير بما جرى في جبل سنجار في العام ٢٠١٤، حين غزا «داعش» بلاد الأيزيديين في شمال العراق. إذ إن عنف التنظيم هناك فاق عنفه الذي رافق «غزواته» الأخرى، فالأيزيديون بحسبه هم من «غير أهل الكتاب». ظاهرة سبي أكثر من ثلاثة آلاف أيزيدية انعقدت على هذه القناعة.
لكن نادية مراد، سبية التنظيم، التي نجت وتمكنت من الهرب، أفصحت عما هو أبعد من حقيقة أن سبب السبي هو كون الجماعة من غير أهل الكتاب. السيدة اتهمت كثيرين بالتسبب بالكارثة التي حلت بأهل سنجار. عشائر العرب من أهل الجبل انخرطوا مع التنظيم في حملة السبي الكبرى. هذا ما قالته نادية بعد نجاتها أكثر من مرة وفي أكثر من بلد زارته. وقالت أيضاً أن السلطات الكردية، وتحديداً قوات بيشمركة الحزب الديموقراطي الكردستاني، انسحبت من القضاء تاركة الأيزيديين يواجهون مصيرهم.
الحكومة المركزية العراقية بدورها لم تبادر لنجدة الجماعة، ولم تشعر بضرورة إنقاذ مواطنيها أهل الجبل. وهنا علينا أن نُسجل، كما سجل أهل الجبل، حقيقة أن من تولى الحد من الكارثة في ذلك الوقت هم مقاتلو حزب العمال الكردستاني الذين تصدوا لـ «داعش» وأنقذوا من تبقى على قيد الحياة من أهل الجبل.
فوز نادية مراد بجائزة نوبل أعاد النقاش حول مستقبل الأيزيديين كأقلية غير مسلمة وغير «كتابية» في هذه المنطقة المحتقنة من الإقليم. فالجماعة اليوم، وبعد أكثر من سنتين على تحرير مناطقها من التنظيم الإرهابي تقلص حضورها إلى مستوياتٍ غير مسبوقة. لم يعد إلى سنجار إلا بضعة آلاف من أهله، بينما حمل عشرات الآلاف من الأيزيديين الناجين أمتعتهم وغادروا إلى أوروبا وأميركا. اهتزت ثقة الجماعة ببلادها. الأيزيدي على ما قال لي والد إحدى المسبيات لم يعد يثق بأحد. نادية مراد قالت هذا أيضاً، ويقوله كل من نلتقيهم من أبناء هذه الجماعة.
والحال إن الجماعات الكبرى ممن تواطأت على الأيزيديين وممن لم تنجدهم لم تُجر مراجعة لأسباب خذلانها مواطنيها وجيرانها. العشائر العربية لم تعتذر ولم تُراجع ولم تحاسب، والأكراد لم يعترفوا بخذلانهم «أهل جلدتهم». الأيزيديون، وعلى رغم الكارثة، ما زالوا «من غير أهل الكتاب» في وعي جيرانهم العرب، وما زالوا ملحقين بالهوية القومية الكردية من دون أن يكونوا في صلبها بحسب جيرانهم الأكراد.
نادية مراد لم تذكر أنها كردية. أيزيديون كثر لا يُعرِّفون أنفسهم بوصفهم أكراداً. صمتها حول «كرديتها» بعد نيلها الجائزة أثار حفيظة قوميين أكراد اعتبروا فعلتها نكراناً لأصلها. لكن ماذا لو سألتهم هذه الناجية عن أسباب انسحاب البيشمركة من المواجهة وانكفائها لحماية مناطق الأكراد من غير الأيزيديين، أي الأكراد من أهل الكتاب؟ هل من جواب قومي على هذا السؤال؟
تستحق الكارثة التي حلت بالأيزيديين أن تتحول إلى تمرينٍ نختبر فيه قدرتنا على الاعتراف وعلى تفكير جماعات هذا الإقليم بأنفسها، وبمدى صحة مقولة أن «داعش» كائن غريب سقط علينا من خارجنا. هناك مؤشرات فعلية على أن التنظيم جاء غازياً من خارج المنظومة الاجتماعية، لكن هناك مؤشرات أخرى لا تساعد على هذا الاعتقاد. في اللحظة الأيزيدية يبدو «داعش» جزءاً من العلاقة التي تربط الجماعات الكبرى بالجماعات الصغرى في هذا الإقليم. الوقائع فعلاً مؤلمة والمتورطون بنكبة الجبل هم أهل الجبل من غير الأيزيديين. عشرات الحكايات الموثقة تثبت ذلك. والغريب، بل والمؤلم أن أحداً لا يريد أن يفكر باعتذار يكون مدخلاً لمراجعة تقنع الأيزيديين بأن بلادهم لن تعاود سبيهم.