نيويورك تايمز تكشف عن دوافع واشنطن الحقيقية من تأسيس قوة الحدود
بلند علي – القامشلي- آشا نيوز
أثارت خطة لإنشاء قوة جديدة يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة شمال شرقي سوريا القلق في المنطقة، من أنَّ الولايات المتحدة ربما تساعد بذلك على ترسيخ جيبٍ مستقل ربما يسهم في تقسيم البلاد أكثر.
وقد تشعل القوة التي تتألَّف من 30 ألف عنصر، وتُواجَه بمعارضة شديدة من روسيا وتركيا وإيران والحكومة السورية، مرحلةً جديدة في الحرب، قد تُؤلِّب حلفاء أميركيين ضد بعضهم البعض، وتُعمِّق انخراط الولايات المتحدة في الصراع أكثر.
وفي حين سعى المسؤولون الأكراد والأميركيون، أمس الثلاثاء 16 يناير/كانون الثاني، لتهدئة الخلاف بتأكيدهم على أنَّ القوة ليست أمراً جديداً تماماً، فإنَّهم أكَّدوا بعض المخاوف، وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
نسخة معدلة من سوريا الديمقراطية
إذ قالوا إنَّ القوة الحدودية ستساعد في الدفاع عن المنطقة التي تسيطر عليها ميليشيات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، وتدعمها الولايات المتحدة شمال شرقي سوريا، وهي المنطقة التي أصبحت بحكم الأمر الواقع منطقة حكم ذاتي. وقالوا إنَّ الولايات المتحدة ملتزمة بدعم القوة لعامين مقبلين على الأقل.
وصرَّح مصطفى بالي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، أمس، بأنَّ القوة بالأساس ستُمثِّل نسخةً مُعدَّلة من قوات سوريا الديمقراطية. وقال إنَّ المقاتلين سيخضعون “لتدريبٍ مهني جيد ليصبحوا حرس حدود”، وسينتشرون على طول مناطق الحدود السورية مع تركيا والعراق لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي وصفه بأنَّه “واجبٌ أخلاقي”.
وقال أيضاً إنَّها ستتولى الخط الفاصل بين المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وقوات الحكومة السورية، على طول نهر الفرات تقريباً.
تضم تلك المنطقة مساحات واسعة من الأراضي التي استعادتها قوات سوريا الديمقراطية من داعش. وتُعَد قوات سوريا الديمقراطية هي الميليشيا الكردية والعربية التي مثَّلت الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في سوريا ضد داعش. لكن لم يكن هناك اتفاقٌ قط على ما يحدث للمنطقة بعد هزيمة داعش.
القوة الجديدة.. شكل الدعم الأميركي
فلطالما قال الحزب الكردي الذي يهيمن على قوات سوريا الديمقراطية إنَّ المنطقة ستظل منطقة حكم ذاتي ضمن دولة سورية فيدرالية. وقال المسؤولون الأميركيون إنَّهم سيواصلون دعم حلفائهم في سوريا، لكنَّهم ظلوا مُبهمين حول شكل هذا الدعم ومدته.
وقد أشارت القوة الجديدة إلى إجابةٍ محتملة عن هذا السؤال.
لكن الحكومة السورية وحليفتيها روسيا وإيران تعارضان أي تقسيمٍ للبلاد. وكذلك الأمر مع معظم فصائل المعارضة السورية. إذ ترغب الحكومة السورية التي يقودها الرئيس بشار الأسد في إعادة فرض سيطرتها على كامل سوريا، وتعارض إدخال أي تغييرات أميركية على الوضع خارج إطار اتفاق سلامٍ تفاوضيّ.
ربما جاءت الاعتراضات الأقوى من تركيا، حليفة الولايات المتحدة، والعضو بحلف شمال الأطلسي (الناتو). تعارض تركيا الحكومة السورية، لكنَّها تعتبر الأكراد عدواً خطيراً وتعترض بشدة على إقامة كيانٍ كردي سوري يتمتع بشبه حكمٍ ذاتي على حدود مناطق سكانها الأكراد، التي تقاتل فيها المتمردين الأكراد
دولة يديرها الأكراد
هدَّدت تركيا بغزو جيبٍ كردي آخر في سوريا، يُسمَّى عِفرين، بحلول الأربعاء، 17 يناير/كانون الثاني 2018.
وطرح المُحلِّلون الأميركيون رؤى متباينة بشدة حول أهمية القوة الجديدة، وتأثيرها على أي خطة سلامٍ محتملة، وكيف ستتوافق وتنسجم مع السياسة الأميركية الأوسع تجاه سوريا.
فقال أندرو تابلر، المتخصص في الشؤون السورية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “الأمر يتعلَّق بضمان هزيمة داعش تماماً، والقضاء على ظروف عودته. هذا لا يرمي لإقامة كيان شبيه بإقليم كردستان أو جيب (كردي) على المدى البعيد”.
لكنَّ جوشوا لانديس، وهو متخصص في شؤون سوريا بجامعة أوكلاهوما، قال في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني، إنَّ الولايات المتحدة عملياً “تدعم إقامة دولة مستقلة شمال نهر الفرات”، دولة تسيطر على جزءٍ كبير من احتياطيات سوريا من النفط والغاز، وسد الكهرباء الرئيسي لديها، وتمتلك جيشاً خاصاً بها ومنهجاً دراسياً باللغة الكردية.
وأضاف: “ستصبح دولة يديرها الأكراد بحكم الأمر الواقع، إذا ما واصلت الولايات المتحدة حمايتها وتمويلها”.
ومع أنَّ الأميركيين التزموا بحماية المنطقة لعامين، فعلينا الانتظار لنر إن كانوا سيفعلون ذلك حقاً أو لرؤية ما سيحدث بعد ذلك. إذ أثبتت روسيا وإيران وتركيا والحكومة في دمشق جميعاً أنَّها تستثمر -عسكرياً وسياسياً- لتشكيل النتيجة النهائية في سوريا أكثر من الولايات المتحدة.
قنوات مفتوحة مع الروس
قال لانديس إنَّ القوة ربما تكون ورقة توت لاستمرار الحضور الأميركي لمواجهة القوات الإيرانية هناك، أكثر منه التزاماً طويل الأجل بالأكراد.
وبالنظر إلى تلك الشكوك، يحاول الأكراد حماية رهاناتهم. فلم يعملوا فقط مع الأميركيين، بل عملوا كذلك، وبصورةٍ منفتحة على نحوٍ متزايد، مع الروس. ويقول المحللون والمسؤولون إنهم، بإبقائهم قنواتٍ مفتوحة مع الروس، باتوا يتمتَّعون بأوراق ضغط على الولايات المتحدة وتركيا، ومخرج نجاة للتوافق مع الحكومة السورية إن فشلت كل الخيارات الأخرى.
حاول المسؤولون الأميركيون أمس تهدئة مباعث القلق، قائلين إنَّ القوات لن تكون كردية بالكامل، بل ستعكس تركيبتها العِرقية المناطق التي تتمركز بها.
فقال بالي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية: “هذه القوات لا تُشكل تهديداً لأي أحد”، بما في ذلك تركيا.
وأضاف أنَّ ذلك الجيب لن يُمزِّق سوريا، بل سيصبح جزءاً من سوريا جديدة فيدرالية أو أقل مركزية. وقال إنَّها لن تقوم على العِرقية الكردية، بل ستكون حكومة لمنطقة شمال شرقي سوريا، تضم العرب والأرمن والسريان.
وقال عبدالكريم عمر، وهو مسؤولٌ كردي سوري: “يجب أن تكون سوريا فيدرالية موحدة، مثل الولايات المتحدة وروسيا. رؤيتنا لسوريا لا تُهدِّد بأي شكلٍ وحدة سوريا، ولا أمن وسلامة البلدان المجاورة”.
وقال الكولونيل ريان ديلون، المتحدث باسم الجيش الأميركي في بغداد، إنَّ الولايات المتحدة كان بإمكانها توضيح الخطة بصورةٍ أوضح لتجنُّب إثارة قلق الحلفاء، لكنَّها كانت ببساطة خطة تالية منطقية من القوى الأمنية المحلية التي أنشأتها قوات سوريا الديمقراطية في المناطق المُستعادة من داعش.
وأضاف ديلون: “أنشأنا قوى أمن داخلية. وهذا هو الأمر نفسه الذي نفعله في المناطق الحدودية”.
تأليب الحلفاء ضد بعضهم
لكنَّ تركيا تعتبر القوة الجديدة جيشاً إرهابياً وتعهَّدت بتدميره، مُهددةً بجولة جديدة من القتال. ومن شأن صراعٍ كهذا أن يُؤلِّب حلفاء الولايات المتحدة -تركيا وبعض المعارضة السورية العربية والقوة التي يقودها الأكراد- ضد بعضهم البعض، ما يزيد تعقيد السياسة الأميركية الغامضة أصلاً في سوريا.
ولم تقاتل القوات الكردية الحكومة السورية كثيراً، وركَّزت بالأساس على فرض الأمن في مناطقها وقتال داعش، ولو أنَّها ربما اضطرَّت لاحقاً للاختيار بين قتال القوات الحكومية أو فقدان الحكم الذاتي، الذي تتمتع به بحكم الأمر الواقع.
تعمل الكثير من فصائل المعارضة السورية، بما في ذلك بعض الفصائل التي كانت مدعومة في السابق من الولايات المتحدة، الآن بصورةٍ مباشرة مع تركيا. وسيطرت العام الماضي، 2017، على منطقة بطول الحدود التركية تفصل المنطقة الرئيسية التي يسيطر عليها الأكراد عن الجيب الأصغر في عِفرين، المُهدَّد الآن بهجومٍ مشابه.
ويضع النزاع حجرات عثرة جديدة في الطريق الوعر بالفعل لتسوية الحرب تفاوضياً.
إذ تجرى التحضيرات الآن لجولةٍ جديدة الأسبوع المقبل من المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة ومؤتمر الحوار الذي تستضيفه روسيا في منتجع سوتشي فبراير/شباط المقبل. لكن لا يوجد اتفاق في أيٍّ من المباحثات الجارية على مستقبل المناطق الكردية.
وتحاول الجماعات الكردية، التي حُرِمَت من إرسال وفدٍ كردي منفصل إلى محادثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، الحصول على وفدٍ منفصل في سوتشي. لكنَّ تركيا تقول إنَّها ستنسحب إذا ما استجابت روسيا لذلك الطلب.
ويقول المسؤولون الأكراد إنَّهم، وكحلٍ وسط، سيرسلون 40 مُوفَداً إلى سوتشي يُمثِّلون منطقة قوات سوريا الديمقراطية المحكومة محلياً وليس العِرقية الكردية.
وفي غضون ذلك، لم تُظهِر الحكومة التي يقودها الأسد أيَّ اهتمامٍ بمسألة تقليص المركزية، ولا في أي إصلاحاتٍ على الإطلاق.
لكنَّ المسؤولين الأكراد يقولون إنَّهم مصرّون.
فقال عبدالكريم عمر، المسؤول الكردي: “لن يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل 2011 بعد كل ذلك”.
وقال مسؤولٌ كردي آخر، طلب عدم تسميته لأنَّه ليس مُخوَّلاً بالتعليق على المسألة، إنَّ الأكراد لن يخضعوا لتركيا أو الحكومة السورية.
وأضاف أنَّ قوات سوريا الديمقراطية، في ظل انقسام فصائل المعارضة، هي آخر القوى المتماسكة المتبقية للضغط من أجل التغيير.